المستجدات التربوية في قطاع التربية الوطنية بالمغرب
المستجدات التربوية في قطاع التربية الوطنية بالمغرب
عرف المغرب في العقد الأخير من القرن العشرين دعوة لإصلاح القطاع التربوي اعتمادا على التجارب التعليمية الرائدة في الغرب والشرق والتطور الاقتصادي الذي أفرز ظاهرة العولمة ومقترحات المؤسسات الدولية وأبناك الاقتراض التي تشترط على المغرب مجموعة من التوصيات التي ينبغي تنفيذها قصد الخروج من شرنقة الركود والتخلف والأزمات المتوالية من أجل مواكبة المستجدات العلمية والتقنية العالمية التي يتطورإيقاعها بشكل سريع. وقد ساهمت كل هذه العوامل في بلورة الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي حدد فلسفة المغرب في مجال التعليم والتأهيل.
هااام للمقبلين على المباراة : المستجدات التربوية في قطاع التربية الوطنية بالمغرب
إذا، ماهي المستجدات التي حققتها وزارة التربية الوطنية المغربية في مجال التربية والتكوين؟
وماهي نقط التعثر التي تميز هذا الإصلاح؟
وماهي المقترحات والتوصيات العملية لتحقيق تجديد تربوي حقيقي وشامل؟
نعني بالمستجدات كل ماهو مناقض لماهو سائد وقديم ومتوارث ومستهلك وغير صالح للتنمية وتحقيق التقدم والازدهار، أي إن المستجد هو الجديد النافع ذو فعالية ناجعة وكفاءة كبيرة في تحقيق النتائج المرجوة، كما قد يدل المستجد على المنتظر من الجديد الذي سيغير ماهو كائن وواقع بعد أن أثبت الموجود فشله ورداءته.
لقد استهدفت وزارة التربية الوطنية تحقيق إصلاح شامل في مجال التربية والتكوين اعتمادا على فلسفة الميثاق الوطني للتربية والتكوين عن طريق تطبيق مجموعة من المقاربات الديداكتيكية والفلسفات البيداغوجية كفلسفة الأهداف السلوكية وفلسفة الكفايات وفلسفة الشراكة قصد الرفع من مستوى التعليم الذي استاءت منه كل طبقات المجتمع المغربي عندما أصبح تعليما غيروظيفي لايساير سوق الشغل ولا يحقق أية مواكبة حقيقية لمستجدات الواقع الوطني والدولي خاصة مع تطور الاقتصاد العالمي القائم على المنافسة والتقدم التقني والصناعي والإعلامي والعسكري.
ومن أهم الأهداف التي سطرتها الوزارة هو تحقيق الجودة الإدارية والتربوية كما وكيفا عن طريق محاربة الأمية وتعميم التعليم والتمدرس وتحديث المقررات والبرامج والمناهج والاستفادة من التطورات التقنية والإعلامية في عملية الإخراج والطبع والنشر والسهر على تطوير عملية التقويم والتوجيه والإشراف والتكوين والتأطير وتثمين الموارد البشرية بمختلف أصنافها والاهتمام باللغات الأجنبية ولاسيما الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والأمازيغية التي تم إدماجها في المؤسسة الابتدائية، كما عملت الوزارة على تشبيب الأطر الإدارية والتربوية قصد مسايرة الحداثة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب.
وقد حاولت الوزارة أن تغرس بذور الوطنية وحب البلد في ناشئة المستقبل عن طريق التوعية بالأيام والأعياد الوطنية والعالمية وترديد النشيد الوطني وحثها على التحليب المواطنة الصالحة والمحافظة على الأصالة والانفتاح على كل ماهو جديد ونبذ العنفوالإرهاب والتطرف والتسلح بقيم العلم والعقل والمنطق والتحليل البرهاني ( الاهتمام بشعبة الفلسفة).
وسعت الوزارة إلى إشراك كل الفاعلين سواء من داخل الميدان التربوي أم من خارجه للمشاركة في تفعيل المنظومة التربوية والمساهمة في تنشيط المؤسسات التعليمية والانخراط في مناقشة كل مبادرات الإصلاح ومنتدياته (منتديات الإصلاح لسنة 2004 حول واقع وآفاق إصلاح النظام التربوي / ومنتديات 2005 المخصصة لمناقشة الارتقاء بالجودة التربوية والإدارية/ منتديات الإصلاح لسنة 2006 المخصصة لمناقشة موضوع الشراكة) قصد تشخيص العيوب وإظهار مواطن النقص والضعف وتحديد مقترحات التطوير ورهانات المستقبل من أجل مواكبة كل المستجدات العالمية.
ومن أهم ما تم ترجمته ميدانيا محاربة الهدر المدرسي والحد من ظاهرة الغياب لدى التلاميذ والأساتذة ومراجعة الشواهد الطبية عن طريق الفحص المضاد وسن سياسة الدعم التربوي للتلاميذ الضعاف وإرساء فلسفة الامتحانات التجريبية ولاسيما في التعليم الثانوي التأهيلي وتنويع مستويات المراقبة المستمرة وآليات التقويم و تحديث معاييره الدوسيمولوجية فضلا عن ترشيد الموارد البشرية في المجالين : الحضري والقروي وتكييف الخريطة المدرسية مع الإمكانيات المادية والمالية المتاحة وإنشاء مجلس التدبير وإثراء مشاركة آباء وأولياء التلاميذ في مجالس المؤسسات التعليمية والإدارية والإنصات لاقتراحاتهم والعمل على تنفيذها دون أن ننسى سهر الوزارة على إنجاح الحوارالاجتماعي والنقابي الذي تفتحه كل مرة مع نقابات التعليم بكافة مستوياته وشرائحه العاملة.
ولا ننسى كذلك مابذلته وتبذله الوزارة من أجل نشر التعليم الإعلامي عن طريق تزويد المؤسسات التعليمية بالحواسيب والإنترنت للانفتاح على تقنيات الاتصال والتعليم عن بعد. وقد شهدت قطاع التعليم على المستوى المركزي والأكاديمي والمحلي والمؤسساتي اهتماما فعليا بالبحوث التربوية وتأطير رجال التربية والإدارة والإشراف وتفعيل خلايا التوثيق والتسيير والتدبير . وقد ساهمت الوزارة في نشر فكر حقوق الإنسان وفكرة التناوب والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحرية التعبير والاحتكام إلى خطاب الحوار والنقد الفعال. وكانت هذه المستجدات مبنية على مرتكزات سياسية واقتصادية واجتماعية وفلسفية وتربوية ودينية وذلك من خلال التوفيق بين الأصالة والمعاصرة.
وهكذا نجد هناك نوعا من الوعي الإصلاحي عن طريق الخروج من التسلطوالتفرد بالقرارات والوصول إلى المناصب و المواقع السامية عن طريق الولاءات الحزبيةوالسياسية و الرشوة والمحسوبية إلى سن الديمقراطية والحوار والشفافية في إجراءالمقابلات والمباريات والامتحانات المهنية والإدارية. كما يلاحظ أن هناك انتقالا منالتدبير الجزئي والانفراد والانزواء والجمود والتدبير الأحادي إلى التدبير الشموليالمعقلن والتشاور الجماعي وتفعيل المجالس والتنسيق بينها والبحث المستمر عن شراكاتمساهمة وفاعلة.
وعلى الرغم من هذه المستجدات الإدارية والتربوية مازال الميثاق الوطني للتربية والتكوين متعثرا بسبب ضعف الإمكانيات المادية وانعدام الديمقراطية الحقيقية وتحقيق جودة كمية على حساب جودة كيفية وإفراغ قطاع التربية الوطنية من مواردها البشرية وأطرها الكفأة بعد تطبيق المغادرة الطوعية التي عبرت عن سياسة ترقيعية فاشلة قوامها تطبيق مقترحات البنك الدولي بكل حرفية على غرار سياسة التقويم الهيكلي التي طبقت في سنة 1985م قصد إضعاف المغرب وجعله من الشعوب المتخلفة المتقهقرة. والأغرب من هذا كله انتشار الأمية والهدر المدرسي وعدم الرغبة في التعليم ولاسيما الجامعي منه بعد أن سدت أبواب التشغيل وتفكير الشباب في الهجرة بحثا عن آفاق مستقبلية مريحة.
وتغلب الرداءة على الفعل الإداري والبيداغوجي بسبب انعدام الروح الوطنية والجدية في التطبيق والترجمة الميدانية لمبادئ الميثاق الوطني وانتشار اليأس بين الشغيلة التربوية التي تعاني من الضيم والظلم بسبب تماطل الوزارة المعنية وإجهازها على حقوقهم المشروعة والتأخير في دفع مرتباتهم الشهرية والتعويضات الممنوحة والتسويف في الالتزام بالاتفاقيات المبرمة بينها وبين المؤسسات النقابية واستهتار تلاميذ المؤسسات التعليمية بقيم العلم و قوانين الإدارة بسبب تمردهم عن كل ثوابت المجتمع التي تكرس التخلف والبطالة والتسيب والفساد والفوضى. ويلاحظ الانفصالالتام بين الفاعلين التربويين والإداريين و بينهم وبين المسؤولين المركزيين بسبب الأنانية وحب الذات وإقصاء الآخرين ولاسيما المثقفين منهم وحاملي الشواهد العليا ( دكتوراه الدولة- الدكتوراه الوطنية-DESA...)، إذ يلاحظ قطيعة أفقية وعمودية بسبب انعدام الشفافية والمسؤولية والديمقراطية .
كما يلاحظ غياب الشركاء الفعليين سواءأكانوا اقتصاديين أم سياسيين أم مدنيين مما جعل المؤسسات التربوية تعيش في عزلة تامة تجتر الركود والروتين والتخلف المميت واليأس القاتل ناهيك عن الغياب التام لكل نشاط ثقافي وفني ورياضي حتى أصبحت مؤسساتنا فضاءات جامدة قاتلة أشبه بصحار قفراءجدباء لاحياة فيها .
وخلاصة القول: لابد من تضافر الجهود جميعها عن طريق إشراك كل الفاعلين الغيورين على الوطن من تربويين وإداريين ومشرفين وأعضاء المجتمع المدني قصد تحقيق نهضة تربوية وتعليمية حقيقية قوامها الجودة و الحداثة والكفاءة والتجديد المستمر اعتمادا على معايير متعارف عليها عالميا مثل: مقياس الجدة والمقبولية والمعيارية والموضوعية والمرونة المتحركة والمصداقية والواقعية.